ادعمنا

اتفاقية كامب دايفيد - 1978-1979 Camp David Accords

مرّت القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي منذ ظهورهما بعدة مراحل ومسارات، كما أن التطورات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي عرفتها القضية منذ حرب 1967 أثّرت بشكل كبير على مسار حل القضية وانعكست حتى على الوضع الحالي.

وتعتبر اتفاقية كامب ديفيد أو ما اصطلح عليها باتفاقية العار والخيانة، محطة بارزة وخطيرة في مسار الأحداث وسير القضية الفلسطينية. وعليه من خلال هذا المقال سيتم تسليط الضوء على الاتفاقية بهدف الكشف عن أحداثها وجوانبها وانعكاساتها.

 

أ- نبذة عن اتفاقية كامب ديفيد:

اتفاقية كامب ديفيد هي من الاتفاقيات التي تمّ عقدها في منتجع كامب ديفيد الأمريكي في 17 سبتمبر/أيلول 1978، بهدف إيجاد حلّ نهائي للصراع العربي الإسرائيلي والتوصل إلى سلام دائم في منطقة الشرق الأوسط، تم توقيع الاتفاقية من طرف الرئيس المصري محمد أنور السادات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي "مناحم بيغين"Menahem Begin، بحضور رئيس الولايات المتحدة الأمريكية "جيمي كارترJimmy Carter كشاهد على التوقيع.

 

ب- ظروف انعقاد اتفاقية كامب ديفيد:

سبقت توقيع الاتفاقية وانعقاد قمة كامب ديفيد مجموعة من الأحداث التاريخية المهمة أولها أحداث أكتوبر/تشرين الأول 1973 وما نتج عنها من حظر عربي لتصدير النفط، إضافة إلى حالة التأهب النووي الذي أعلنته كل من الولايات المتحدة الأمريكية يليها الدعوة إلى مؤتمر جنيف في نهاية 1973.

وعرفت بداية سنة 1977 تولي " جيمي كارتر" رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، وقد رتّب في بداية فترة حكمه لقاءات مع قادة وزعماء منطقة الشرق الأوسط، وبدأ باستخدام تعابير مثل:" الوطن الفلسطيني" في خطابه السياسي، كما شهدت الشهور الأخيرة من عام 1977 بدء عدد من المشاريع والمبادرات التي تهتم بموضوع التسوية السلمية في الشرق الأوسط، من هذه المشاريع المشروع الذي أعلنه الرئيس جيمي كارتر في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وبالنسبة للأوضاع في إسرائيل فقد قام مناحيم بيغن بتقديم اقتراح لتشكيل حكم إداري ذاتي لسكان الضفة الغربية وقطاع غزة في خطابه الذي ألقاه أمام الكنيست في 28/12/1977.

أما بالنسبة للأوضاع في الوطن العربي فقد عرفت تصاعداً في وتيرة الخلافات بين كل من سوريا ومصر بخصوص تشكيل الوفد العربي الموحّد إلى "مؤتمر جنيف". كما سبقت توقيع اتفاقية كامب ديفيد زيارات متكررة للرئيس أنور السادات لإسرائيل، وقد أثّرت هذه الزيارات على توجهات كل القوى السياسية المعنية بالبحث في التسوية السياسية في المنطقة واضطرت الولايات المتحدة الأمريكية إلى تغيير استراتيجيتها. وتطبيقاً لهذه الاستراتيجية الجديدة تم استقبال أنور سادات من طرف جيمي كارتر في الأسبوع الأول من سنة 1978، لمناقشة وثيقة للحل. في أوائل أغسطس تمّت دعوة كل من بيغين والسادات من طرف جيمي كارتر إلى اجتماع قمة في " كامب ديفيد". وهكذا بدأت بشكل عملي مفاوضات "كامب ديفيد" في 05/09/1978. وقد استمرت المفاوضات والمساومات الطويلة، إلى أنْ انتهت بالتوصل إلى اتفاق بشأن إطارين للتفاوض، الأول:" إطار عمل للسلام في الشرق الأوسط" أما الثاني:" إطار عمل لعقد معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل".

 

ج- مضمون معاهدة كامب ديفيد:

تتكون اتفاقيات كامب دايفيد من وثيقتين، الوثيقة الأولى بعنوان "إطار عمل للسلام في الشرق الأوسط"، أما الوثيقة الثانية بعنوان "إطار عمل لعقد معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل".

تتضمن الوثيقة الأولى ثلاثة محاور هي:

المحور الأول: ويتعلق بغزة والضفة الغربية، كما يتعلق بالدعوة إلى عقد مفاوضات بين مصر وإسرائيل لحلّ المشكلة الفلسطينية.

المحور الثاني: يتعلق بعقد معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل في غضون ثلاثة أشهر من توقيع إطار العمل هذا.

المحور الثالث: أما المحور الثالث فيتعلق بمجموعة من المبادئ التي تنص على ضرورة انطباق نفس المبادئ الواردة في الاتفاق على معاهدات السلام بين إسرائيل وكل من مصر، والأردن، وسوريا، ولبنان.

أما الوثيقة الثانية فتتضمن دعوة إلى التفاوض بهدف عقد معاهدة سلام بينهما في مدة ثلاثة أشهر من توقيع الاتفاقية، كما تتضمن الوثيقة مجموعة من المبادئ اتفق عليها الطرفان.

وقد اتفقت كل من مصر وإسرائيل على ما يلي:

- انسحاب القوات الإسرائيلية المسلحة من سيناء.

- منح السفن الإسرائيلية حرية المرور عبر قناة السويس وخليج السويس، إضافة إلى اعتبار مضيق تيران وخليج العقبة ممرين مائيين دوليين مفتوحين لكل الدول لممارسة من أجل حرية الملاحة البحرية والجوية.

- استخدام المطارات المتروكة من طرف الإسرائيليين بالقرب من العريش، رأس النقب، شرم الشيخ لأغراض مدنية فقط.

- انسحاب جميع القوات الإسرائيلية إلى الشرق من نقطة شرقي العريش ورأس محمد، بعد مرابطة قوات عسكرية في بعض المناطق بفترة تتراوح بين ثلاثة وتسعة شهور من توقيع معاهدة السلام.

 

د- نتائج اتفاقية كامب ديفيد:

كان لاتفاقية كامب ديفيد نتائج مباشرة وغير مباشرة على جميع الأطراف المشاركة، مصر، الولايات المتحدة الأمريكية، إسرائيل. وقد قدّم "حسين السيد حسين" من خلال دراسته المعنونة (معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية عام 1979 وأثرها على دور مصر الإقليمي) أهم هذه النتائج:

- نتيجة لاعتراف مصر بموجب اتفاقات الصلح بإسرائيل، تمّ الاعتراف بحق إسرائيل في السيادة والاستقلال السياسي، واعتبار أي مواجهة عسكرية تقوم بها مصر تعاقب عليها قانونيا.

- حصول إسرائيل على مكاسب استراتيجية، فقد كان إخراج مصر من ساحة المواجهة العسكرية هدفاً مُهمّاً بالنسبة لمخططي الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية ومنفذيها، إضافة إلى مكاسب أخرى.

- حصول إسرائيل على مساعدة ودعم عسكري وسياسي واقتصادي من الولايات المتحدة الأمريكية بشكل غير مسبوق في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي الأمر الذي مكنّها زيادة قدراتها على ممارسة الضغوطات على باقي أطراف الصراع.

- حققت الولايات المتحدة الأمريكية بموجب الاتفاقية مكاسب مهمة وغير مسبوقة. ومن بين هذه المكاسب إبعاد الاتحاد السوفياتي كطرف أساسي في التوازن الدولي والمشاركة في تسوية الصراع العربي الإسرائيلي. كما أن دورها في هذه الاتفاقية تطور من وسيط إلى طرف غير مباشر فيها.

 

و- تداعيات معاهدة كامب ديفيد:

كان للمعاهدة تداعيات وانعكاسات خطيرة وذلك باعتراف مصر بإسرائيل واعترافها لليهود بملكية الأراضي الفلسطينية، أبرز هذه التداعيات - حسب ما ذكر "ثائر محمود محمد هديب" في دراسته المعنونة (اتفاقيات كامب ديفيد 17 سبتمبر/أيلول 1978 وتداعياتها على القضية الفلسطينية حتى العام 1982) - ما يلي:

- أبرز تداعيات المعاهدة العدوان الإسرائيلي على لبنان سنة 1982، فبعد المعاهدة قامت إسرائيل باتباع سياسة لمواجهة المعارضة الفلسطينية كرد فعل على الموقف الموحّد المناهض لمعاهدة كامب ديفيد، وكان ذلك من خلال سعيها للتخلص من منظمة التحرير الفلسطينية من خلال الهجوم على أكبر مواقعها في لبنان، وعليه كانت الحرب.

- محاولة القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في غزو بيروت 1982.

- قامت إسرائيل بعد توقيع الاتفاقية بالعمل على زيادة الهجرة اليهودية إليها وإقامة المستوطنات، إضافة إلى تهويد الأراضي العربية والتوسع فيها.

- بعد توقيع الاتفاقية قامت إسرائيل بتصعيد الممارسات القمعية في غزة والضفة الغربية.

- أسقطت اتفاقيات كامب ديفيد قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي وخاصة القرارات "181"،"194"،"338"،"242".

- استخدمت معاهدة كامب ديفيد القضية الفلسطينية كغطاء لاتفاق السلام المنفرد بين مصر وإسرائيل.

- ابتعاد معاهدة كامب ديفيد عن مفهوم الحقوق والسلام واقترابها من مفهوم الاستسلام وتسوية الأمر الواقع أثّرت بشكل سلبي على إيجاد حل جذري ودائم وعادل ونهائي للقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي.

- أهملت الاتفاقية حقوق الشعب الفلسطيني وفي المقابل أعطت لإسرائيل حق الاحتفاظ بالأراضي العربية المحتلة.

- إعادة ترتيب التحالفات القائمة خاصة في ظل الثورة الإيرانية في إيران، إضافة إلى ظهور سياسة المحاور في العالم العربي لملأ الفراغ الذي أحدثه خروج مصر من الصف العربي.

- لم تعط اتفاقية كامب ديفيد السيادة المصرية الكاملة على صحراء سيناء.

- أدّت اتفاقية كامب ديفيد إلى عقد كل من مؤتمر مدريد عام 1991 واتفاق أوسلو عام 1993 الذي اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل.

أثارت اتفاقية كامب ديفيد موجة غضب عارمة على المستويين الشعبي والرسمي في المناطق المحتلة والوطن العربي،وقد كانت اتفاقية كامب ديفيد وفقاً لغالبية الباحثين العرب أحد أسباب انتكاسة القضية الفلسطينية وفشل في عملية تسوية الصراع العربي الصهيوني، كما أن المكاسب الاستراتيجية التي حققتها إسرائيل بموجب اتفاقات الصلح دفعت بالأكاديمي " أنور عبد الملك" أن يصف الاتفاقية بالعبارات التالية: "يوم التوقيع على معاهدة السلام ، يمثل قبل كل شيء التأسيس الثاني لإسرائيل ونهاية الرفض العربي على حد تعبير إثنين من كبار المفكرين الصهاينة الليبراليين ، فهو يضفي الشرعية على الدولة العنصرية ويكسب قدسية لسيطرتها العسكرية على أرض فلسطين وعدة أقطار عربية، ومعناه إنكار كامل لمجرى التاريخ الحديث والمعاصر للأمة العربية... .".

 

 

المصادر والمراجع:

محمد اشتية، موسوعة المصطلحات والمفاهيم الفلسطينية، دار الجليل للنشر والدراسات والأبحاث الفلسطينية،2011، عمان.

حسين السيد حسين، معاهدة السلام المصرية_"الإسرائيلية" عام 1979 وأثرها على دور مصر الإقليمي، مجلة دراسات تاريخية، العددان117-118، 2012.

سعاد زواوي، عبد المجيد بن عدة، انعكاسات اتفاقية كامب ديفيد 1978 على الصراع العربي الإسرائيلي وعلى القضية الفلسطينية، مجلة دراسات وأبحاث، العدد13، المجلد 13، 2021.

ثائر محمود محمد هديب، رسالة استكمال متطلبات درجة الماجيستير بعنوان: اتفاقيات كامب ديفيد 17 سبتمبر 1978 وتداعياتها على القضية الفلسطينية حتى العام 1982، معهد الدراسات الإقليمية، جامعة القدس، القدس- فلسطين.

 

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia